Saturday, January 9, 2021

رحلة الشمال ( المملكة العربية السعودية)

 رحلة الشمال 
داخل الوطن  ..  خارج السياق






طالما ترقبتُ الظرف المناسب لإطلاق قدميَ عبر أراضي وطني الكبير لأتلمس عن قرب مواقع الإنسان فيه  ..  وكل مواقعه إنسانُ  .. حتى أراد الله الحكيم الخبير المعتني المدبر في توقيت محدد أن تكون هذه الرحلة الكنز ( رحلة الشمال )
غير صديقٍ عزيزٍ شرفني برغبته في مرافقتي  .. وغير صديق عزيز تمنيته أن يكون رفيقي فيها  .. إلا أن للسماء حسابات لاتعيها عقولنا ولا تستشعرها أرواحنا  .. لتكون الخلطة الأخيرة بعناية الغيب  .. 
كما أبديت تلك الرغبة أمام الكثير من الأصدقاء فقد أبديتها للصديق العزيز الحبيب ( عيسى ) فكان أن تلقفها كما يلتقط طفلٌ على شاطئ صافٍ كرته الملونة بنجاحٍ وفرحٍ ولم تسقط من يديه لا على الماء ولا على رمل الساحل  ..  فكان منه أن أخذ زمام المبادرة للتنسيق  وتخطيط البداية  .. 
أراد الله أن نكون ثلاثة رفاق فقط على الدرب بعد اعتذار البعض وتعذر الظروف المؤاتية للبعض الآخر  .. فكنا ( علي العرفج/عيسى السلطان /فلاح المسلمي )  .. 
أما عيسى فهو شخص جاد جدا مغرم بالترتيب والتنسيق ويجيد التواصل الفعال ويرسم الخطط ويتابع التنفيذ ويقيم النتائج .. وكثير السؤال ولا يرضى بغير الجواب الصريح  المقنع . 
وأما فلاح فشخص ذو ذهنية حاضرة وبديهة متوثبة وعزيمة كبيرة وذكاء متقد واستعداد كامل وذو علاقات نشطة ولغة متفردة وكاريزما محببة وأفق منفتح على مديات لا حدود لها . 
هذان رفيقا الطريق وبهما تطوى المسافات الطوال بكل فرح . 
حددنا آخر يوم وآخر خميس من السنة الحادي والثلاثين من كانون الأول 2020 هو يوم الانطلاق .. ثم لتكون ليلة الخميس وأول خميس في السنة الجديدة 
السابع من كانون الثاني 2021 هي ليلة الإياب 







أبكرت بنا نيتنا وراحلتنا فجر الخميس وقبل أن تخلع السماء ثوب الليل الأسود كنا على  الطريق السريعة غربا تعلو بنا صوب هضبة نجد  .. في الضحى كنا نحاذي العاصمة الرياض لجهة الشمال ميممين وجوهنا نحو طريق القصيم   .. وصلنا ظهرا إلى وجهتنا الأولى وهي ( صخرة عنترة ) في الناحية الشمالية الغربية  لمدينة عيون الجواء  .. هناك حيث تقول حكاية المكان أن مواعيد الحب بين عنترة وعبلة كانت عند تلك الصخرة المتكئة الآن على جانب منحدر الطريق الإسفلتية لجهة الغرب  ..  هنا توقف بنا الزمان ننقب عن تلك المواعيد بين الحبيبين  ؛  هل قعدا هنا  ؟  أم استظلا بالصخرة ساعة ضحى هنا  ؟  أم هل توادعا الوداع الأخير من هنا  ؟ ..  








المحصلة أن هذه الصخرة انغرست على خد الأرض هنا كشامة المحبوب التي لاتخطئها عين المحب  .. يلثم شمسها وفيأها. 
ودعنا الصخرة إلى معلم آخر لعنترة على الطريق الواصلة إلى قرية ( النعي ) القديمة التي تتموضع بيوتاتها ونخيلها في فوهة بركان قديم خامد منذ العصور السحيقة  .. وعلى حافة الفوهة تنبع ( عين عنترة ) التي لازالت تهب الماء لوارديه توقفنا بها وارتوينا من مائها شديد العذوبة  .. ثم يتموضع أعلى العين جنوبا قبر عنترة  .. لتكون تلك البقاع سجلا تاريخيا حيا نابضا بالحكايات والماء عن سيرة البطل العربي الأسطورة أبي أوفى وأبي الفوارس ( عنترة بن شداد العبسي )  . 




بعد أراضي عبس سابقْنا النهارَ للدخول إلى أراضي طيء وجوار حاتم مدينة حائل .. فوصلنا قبيل الغروب متوجهين مباشرة إلى السوق القديمة ( سوق برزان ) لأن هوية كل مكان تتكثف في السوق القديمة حيث هواء السوق وأحاديث الباعة ومزاحهم وضحكاتهم  ..
في السوق يختصر الزمان ذاته شخوصا من بشر ودكاكين و عادات وتقاليد وكلام  .. وقفنا على أول دكان من سلسلة دكاكين لنسوة من المدينة يبعن فيها ما تصنعه أيديهن من طعام محلي مثل ( كليجا حايل ) المتفردة بالطعم الحلو و نكهة الهيل المتميزة  .. أو أدوات منزلية مثل ( سفر الطعام ) المصنوعة من خوص النخل  .. إضافة إلى التوابل والبخور ومنتجات الحليب والدهن العربي  .. هنا استوقفتنا العادة الجميلة وهي عادة الكرم المتأصلة في المكان  حتى أنها انتقلت بالعدوى الحميدة إلى العمال الذين يساعدون سيداتهم مالكات الدكاكين فبمجرد أن قاربنا باب الدكان حتى جاء عامل هندي إلينا بالماء وبكليجا حايل نتذوقها  .. والطريف الجميل في الأمر أن العامل قد اكتسب لهجة المدينة العربية .. 



ابتعنا شيئا من الكليجا وبعض الحوائج لنكمل جولتنا في السوق التي اكتنزت بالتاريخ والحكايات  .. فهنا في هذه السوق قصة رائعة تدل على تقدمية المكان وتسامح أهل المكان وهي قصة جماعة ( المشاهدة ) الشيعة ؛ وهم جماعة من الحرفيين والصناع المهرة العراقيين الذين استقدمهم أمير جبل شمر حينها الأمير طلال العبدالله العلي الرشيد من مدينة النجف بهدف المساهمة في تنشيط الحركة التجارية والحياة الاقتصادية في حائل . ومما يذكر أيضا أن شاعر النجف الكبير السيد محمد سعيد الحبوبي سكن حائل فترة من الزمان وهو أستاذ الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري .. فلحائل نصيب في تكوين الشخصية الشعرية المتميزة للحبوبي . 


 
النبرة الأحسائية هنا حادثة طريفة حدثت لنا بينما نحن في السوق توقفنا لنسأل بائع حائلي ستيني متجول يبيع القبعات والقفازات والجواريب الصوفية الشتوية عن مكان دكاكين باعة البشوت العربية .. وبينما نحن نسأله وهو يجيبنا إذ توقف بجانبنا فتى حائلي نحيل الجسم لا أخاله يتخطى ربيعه العشرين يصغي سمعه إلى هؤلاء العابرين مدينته ، فما إن انتهى البائع من وصفه الطريق لنا وهممنا بالمشي بعد شكرنا له حتى استوقفنا الفتى بسؤاله : الإخوان من الحسا ؟ فأجبته بنعم فما كان منه إلا أن عرض علينا ضيافته لنا بكل إلحاح إلا أننا اعتذرنا لضيق الوقت وشكرنا إليه كرمه وروحه الواسعة .. وقد تكررت أشباه هذا الموقف من أول الرحلة حتى نهايتها ولاغرابة فحائل موئل الكرم وموقدة حاتم  . اختتمنا ليلتنا بعشاء حائلي هو أرز أحمر مطبوخ مع خضار مهروسة يسمى ( مخبوص  تمن ) . 





 في النهار التالي الجمعة الأول من كانون الثاني 2021 افتتحناه بالتنزه في وادي ( جو ) وهو طريق جبلية في وسط وادٍ مليئ بالأشجار ومناطق التخييم  .. ثم توجهنا إلى وسط المدينة لنلمس عن قرب تاريخها العريق فصعدنا إلى ( قلعة أعيرف ) العالية حارسة المدينة ورائية هلال شهر رمضان  .. ثم نزلنا إلى قلب المدينة لنحوم حول ( قلعة القشلة ) وهي المركز الإداري والعسكري في بداية الحكم السعودي المعاصر  . 
بعد ذلك جذبتنا هوية حائلية فريدة غاية في الروعة والجمال وهي ( برتقالة حائل  ) وهو نوع جميل من البرتقال حلو الطعم مركز النكهة سلس المذاق ولحسن حظنا أن هذا اليوم هو يوم افتتاح مهرجان ( برتقالة حائل  )  .. 
هنا يجب أن تكون لكل زائر لحائل وقفةٌ مع هذه الحكاية البرتقالية الحلوة .. فقصة هذه البرتقالة عجيبة حيث أن بذرتها وفدت إلى حائل من بغداد واستزرعت أول الأمر في قصور علية القوم ثم انتشرت بين السكان وتناسلت أجيالها حتى تأقلمت عبر الزمن واستقرت على صيغتها الحالية المتفردة وأخذت اسمها المميز ( برتقالة حائل  ) .. كبيرة الحجم  .. زاهية اللون .. قوية النكهة .. حلوة المذاق  .. لطيفة القوام  .. وفيرة الإنتاج  .
وهذه دعوة إلى اعتمادها منتجا استراتيجيا عبر بناء برامج زراعية تدعم إكثارها على أوسع رقعة مناسبة لنصل إلى حد الاكتفاء محليا ثم تصديرها خارجيا .. لأنها تنافس بحق أجود برتقال العالم . 








زاحمنا النهار لنعود على عجل إلى قلب المدينة لنصافح المدى الجميل من أعلى جبل السمراء حيث موقدة ( حاتم الطائي ) التي كان يوقد عليها نار القِرى ليستدل بها المسافر عبر الصحراء بين الجبال لتكون الملاذ والمأوى والأمان والزاد  .. 
وفعلاً بعد انسدال ستائر الليل كان موعدنا مع العزيز الحبيب ابن حائل والكرم الصديق (شافي)  .. حيث أفاض بكرمه وتفضل بروحه الواسعة فقضينا تلك الليلة في بيته العامر لتكون ضيافتنا نوعان من الطعام  : طعامُ حديثهِ المسترسل - مع فناجين القهوة والتمر -  المشحون بالحكايات والوعي العالي والثقافة المركزة والدقة في المفردات والبوصلة التي لا تتوه -ذلك الحديث- الذي امتد على ثلاث ساعات ونيف ، ثم ليقدم لنا وجبة العشاء التي لم يشاركنا فيها بناء على عادة عربية أصيلة  كريمة ليأخذ الضيف راحته في تناول الطعام . 
العلا  .. الآتية من التاريخ الفاتحة لبوابة المستقبل . 

                                                       

يوم السبت الثاني من كانون الثاني  حددنا وجهتنا الصباحية إلى العلا لكن قبلها كانت نيتنا أن نعرج على ( قفار ) المدينة اللغز والميثولوجيا العميقة ومركزها  ( قصر غياض ) لبني تميم بتوصية جميلة من أصدقائنا الحائليين المخلصين .. فالزائر لقصر غياض ستبهره المباني الطينية عالية الجدران والأسوار متقنة التفاصيل  .. في غياض ستتحسس الجدران الطينية السميكة بحثا عن مكان إعدام الجاسوس الذي كان يمرر المعلومات لطليعة معسكر جيش إبراهيم باشا أثناء مهمته العسكرية لإخضاع القبائل والمجتمعات والإمارات والمشيخات والحواضر في جزيرة العرب لصالح قاهرة محمد علي باشا  .. ثم تمشي الهوينا بين البيوت الطينية تعيد بمخيلتك السينمائية أحوال الناس والأسر التي قررت الرحيل غصبا عن ديارها بعدما اجتاحت( حمى قفار ) المكان لتتحول البيوت الفارهة إلى أطلال تواجه الموت البطيء قدرها المحتوم .. أو تستحضر اسطورة الكنز المدفون في مكان ما في غياض الذي أفنى بعضهم وقته في الحفر والبحث عنه بدون جدوى لأن ثعبانا عظيما كان هو الحارس الأمين له .. فيصدر صوتا مرعبا حين يقترب أحدهم من المكان .. 
جعلنا غياض وميثولوجياه خلفنا نحو محافظة العلا  .. العلا الواعدة والتاريخ السحيق  .. 




في الطريق الطويلة  إلى العلا كان الحديث مع ( فلاح وعيسى ) يتشعب كتشعبات الوديان التي نمر بها أو تمر بنا  .  ويعلو وينخفض كما تعلو وتنخفض بنا التضاريس والقمم الحجرية المقببة والمحززة  .. حتى أقبلنا على العلا التي كانت تتزين لاستقبال قادة دول مجلس التعاون الخليجي  .. فكان أول الطريق نقطة تنظيم أمنية قال لنا ضابطها أن ننزل عن الطريق الإسفلتية مؤقتا ريثما يعبر وفد رسمي  .. هنا توقفنا على جانب الطريق كما كل المسافرين حينها  لكن شد انتباهنا رفيقان يجوبان تلك الديار والطرق على دراجتيهما الناريتين  .. سلمنا عليهما بصوت عال فردا التحية بنبرة التقطتها آذاننا بحساسية مرهفة فقد كان أحدهما من الأحساء والآخر من البحرين  ..  استلطفا مبادرتنا واستلطفناهما ودعوناهما إلى استراحة مشتركة فقبلا الدعوة  .. فانتحينا جانب الطريق ومددنا بسطنا وانزلنا موقدة غاز صغيرة طبخنا عليها إبريق حليب بالزنجبيل وبعض القهوة والشاي وتناولنا أيضا من كليجا حايل كنا قد خصصناها زادا للطريق  .. وأما صاحبانا فقد انزل أحدهما معسلته التي لم نلتفت إلا وقد كانت جاهزة للتدخين والآخر أشعل سيجارته الإلكترونية  ..








فامتدت بنا حكايات السفر والطريق حتى عبر الموكب الرسمي واستأنفنا المسير إلى مدينة العلا الصغيرة التي دخلناها قبل الغروب بساعة أو ساعتين فكان لنا نصيبنا من التجول فيها بين بيوتها وبساتينها التي تشبه إلى حد كبير بساتين المدينة المنورة على ساكنها وآله أزكى الصلوات وأرفع السلام .. 
جغرافيا العلا جاذبة جميلة لتعاشق الكتل الصخرية بالرمال السافية مع الرياح في قلب الصحراء  .. لذا قررنا المبيت ليلتها مابين الصخور والجبال تحديدا أمام صخرة جميلة تشبه في تكوينها بواسطة التعرية والتجوية الهوائية شكل فيل يمد خرطومه الطويل إلى الأرض  .. 
نصب ( فلاحُ ) خيمتنا الصغيرة وأنزلنا أنا ( وعيسى ) أدوات الطبخ لنعد عشاءنا  .. وريثما ينضج الطعام كنا قد تحلقنا حول النار نحملق في السماء نرقب النجوم تارة أو نركز نظرنا على التكوينات الصخرية العجيبة تارة أخرى كأنها أشباح عملاقة في محفل جن كبير .. 
تعشينا ثم تهيأنا للنوم بعد يوم طويل متعب من الترحال فحشرنا أجسادنا الباردة داخل خيمتنا الصغيرة طلبا للدفء  .. 












 عند الفجر صحونا وصلينا في برد شديد يقص العظام وقمنا مباشرة بإعداد طعام الإفطار  .. ومن طريف ذلك الصبح أننا كنا نلاحق الظل الذي تسقطه الكتل الصخرية  هربا من الشمس التي كانت أكثر من دافئة ، فياللمفارقة في الليل برد شديد وفي النهار نلاحق الظل ..  غسلنا أوانينا بعد الفراغ من الطعام بالرمال النقية وحزمنا أمتعتنا لنغادر العلا لأننا لن نتمكن من معاينة بقية المواقع بسبب الظرف الأمني بسبب انعقاد قمة مجلس التعاون  .. 



كانت وجهتنا التالية مدينة تبوك على طريق المعظم ( طريق الحج القديم ) الذي يمتلئ بمحطات سكة الحديد ( سكة حديد الحجاز ) الذي بنته الدولة العثمانية  .. المذهل في مباني تلك المحطات أنها ما زالت بجمال طرازها المعماري المميز غير أنها لحق بها ضرر مزعج فقد سُرٍقَ كل الحديد فيها كالأبواب والنوافذ والسلالم  .. وأفنيتها وحجراتها مملوءة بالحفر ظناً أن الاتراك قبل مغادرتهم أخفوا كنوزا فيها أو نقودا ذهبية ..




كانت المحطة الأهم على الطريق هي محطة المعظم فهي محطة تاريخية كبيرة بها مبنيان وبركة  :
المبنى الأول هو مبنى محطة القطار التركي الذي يتكون من ثلاث مبان هي : خزان المياه ومبنى المحطة ومهاجع الموظفين و حراس المحطة .
أما المبنى الثاني فهو قلعة المعظم الكبيرة التي بنيت على ضفة بركة ماء على طريق الحج يتزود منها الحاج بالماء والطعام  ..
ويمكن الاستزادة معرفيا عن تلك القلعة من مصادر عديدة . 



غادرنا القلعة وبركتها إلى تبوك المدينة التي تستقبل الحاج الشامي ومن يليه  وهي مدينة مترامية الأطراف تتوسطها قلعة تبوك وعين النبي ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم  .. وسوقها القديمة  .. التي خصصنا لكل تلك المواقع عصر هذا اليوم  .. في الليل كان برنامجنا قصيرا حيث اقتصر على العشاء والمبيت .. 
وفي صباح اليوم التالي الإثتين الرابع من كانون الثاني تزودنا بزيت السمسم من معصرة في السوق وزيت الزيتون والعسل وانطلقنا إلى تيماء .. تيماء التاريخ والطرق التجارية القديمة .. تيماء النقوش الكثيرة .. تيماء وسورها العظيم  .. تيماء قصر الرمان  .. تيماء بئر هداج العزيز  .. تيماء التاريخ الموغل في الحضارة والإنسان  ..  تيماء الذراع  الشمالي للطريق التجاري القديم الآتي من ميناء العجير التاريخي  ..



 
قضينا وقتا قصيرا لنعود إلى حائل الكرم والمأوى  .. لكننا في الطريق واجهتنا عاصفة من جراد .. فقد كان سرب جراد عظيم صادف أنه كان يهاجر من موقع إلى آخر  .. ونحن ننطلق بسرعة بسيارتنا نريد أن نصل أول الليل إلى حائل وجدنا أنفسنا وسط سرب الجراد المعاكس لنا لنرتكب فيه مجزرة عظيمة حينما تصطدم بزجاج ومقدمة السيارة فالتصقت أجساد الجراد بتفاصيل السيارة وبين مفاصلها وعلى الزجاج والمصابيح ... 
ووصلنا بعد ساعة من ليل إلى حائل لنأخذ حصتنا من العشاء والنوم استعدادا لرحلة العودة النهار الآتي .. 



صحونا نهار الثلاثاء الخامس من كانون الثاني وتزودنا بالشاي والقهوة وانطلقنا على طريق العودة لكن على طريق زبيدة متجهين إلى مدينة ( فيد ) التاريخية التي يعود ازدهارها إلى زمن الدولة العباسية  .. وفي فيد أرض حبلى بالحكايات والأحداث التي يجب تدوينها ونشرها  .. فيد تقع عل طريق الحج العراقي لذلك تكون مطمعا للناهبين وقطاع الطرق واللصوص  .. فبنيت فيها قلعة عظيمة بأحجار بركانية سوداء ووظيفة القلعة حماية سكان فيد و تأمين طريق الحج وقوافل الحجاج وتزويدهم بالمؤن  .. وفي فيد حكايات صبر واحتماء عجيب إذ تحتوي على شبكة أنفاق تصل ما بين القلعة والمدينة لاستخدامها حين تتعرض المدينة للغزو  فيتم نقل الضعفاء والنساء والأطفال عبرها من المدينة إلى القلعة دون أن يدري العدو وقد جربنا الدخول في أحد الاتفاق القصيرة داخل المدينة فنزلنا في النفق الشمالي الصغير ( لخويمه ) -تصغير خيمة- وخرجنا من النفق الجنوبي الكبير  ( الخيمة )  فكانت تجربة فريدة حيث تختفي بجسدك تحت الأرض كما تختفي الحشرات أو الثعالب ..  وفي قلعة فيد التاريخية نظام إسكان رفيع الطراز للحجاج بجميع طبقاتهم يؤمن لهم المأوى والخدمات وفيها بركة ماء مثمنة الأضلاع عظيمة جدا تجتمع فيها المياه بأمان عن الناهبين وقطاع الطرق   ..  وهذا مفخرة عظيمة لفيد وأهلها .. 




انتهينا من فيد وغادرناها بوافر محبة من أهلها إلى منطقة القصيم تحديدا مدينة بريدة وهناك كانت لنا محطتان هما متحف بريدة وسوق التمور  ثم يممنا وجوهنا إلى العاصمة الرياض لنصل قبيل الغروب فكانت محطتنا الأولى ( محافظة الدرعية ) التي تشهد نهضة معمارية غاية في الجمال والإتقان ثم توجهنا لزيارة إنسان جميل من الأحساء وهو من سكان مدينة الرياض الأستاذ ( مهدي بن صالح الفوز )  فأكرمنا غاية الكرم والطيب ثم أهدانا كتابه الجميل الإيجابي المحفز ( كن أنت ، وليس هم ) . 



بعدها توجهنا نستكشف بعض تفاصيل ليل الرياض فكانت وجهتنا( جادة الجامعة ) أو  ( U WALK ) وهو ممشى طويل يحاذي مجموعة كبيرة من المطاعم والمقاهي يمتد من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي لمسافة غير قصيرة ، في هذه الجادة تتشكل هوية جديدة للمجتمع والناس والأفكار  .. شيء ما يتعملق في فضاء المدينة  .. علاقات اجتماعية جديدة .. أفكار جديدة .. أنماط عيش وحياة جديدة  . 
توجهنا الى مبيتنا وهو فندق صغير وسط الرياض القديمة حيث طبقة العمال والكسبة وأصحاب البسطات  .. هناك بتنا كما يبيت العمال وتنفسنا هواء الشوارع الخلفية ودكاكين صناعة الخيام وإصلاح عجلات السيارات  والحارات المكتظة  ورائحة مطاعم العمال الهنود وغيرهم  . 
في يوم الأربعاء  السادس من كانون الثاني صحونا الضحى الأول و نزلنا إلى الشارع الذي اكتظ بالحركة التي لم نرها آخر الليل فكان أول ما افتتحنا به يومنا هو عصير قصب السكر من دكان قديمة كنت أرتادها قبل أكثر من خمس و عشرين سنة لم تزل على حالها  .. وطالما شكل طعم ما مرساة في الذاكرة لا تموت  .. لتستجلب تلك المرساة كل الصور والروائح والأصوات . 



على الطريق الجنوبية الشرقية الواصلة بين الرياض ومدينة الخرج كانت وجهتنا حيث الدحل الرهيب ( دحل هيت ) وهو تجويف مفتوح في قلب الصحراء تحت الجبال العالية يمتلئ بالمياه  .. وهو تجويف أرضي مكون من ثلاث تجويفات تصل بينها قنوات مائية  . 



بعد هيت توجهنا لمعاينة بعض مزارع الخرج لتجمعنا الأقدار بإنسان طيب من أهل الأحساء يعمل في تجارة التمور هو الأخ العزيز ( عبدالمنعم المطير أبو سجاد ) الذي أبى إلا أن يكرمنا على وجبة الغداء فنزلنا عند رغبته   .. وبعد الغداء أخذنا الطريق إلى الأحساء من الخرج عبر مدينة حرض لنصل ليل الخميس  .. فنكون قد خرجنا من الأحساء في غبش فجر الخميس وعدنا في عتمة ليلة الخميس  ..


كتبها علي العرفج
1/7/2021

1 comment:

  1. روابط الأماكن

    صخرة عنتر في القصيم
    https://maps.app.goo.gl/iqgUyX3eRi5MD87RA


    النعي
    قبر عنتر
    عين عنتر
    جبل اجا و سلمى
    https://maps.app.goo.gl/9NMCC8V4HXB1LjJe6


    سوق برزان الشعبي
    https://maps.app.goo.gl/3KCjLBe4HMCQK1gs6


    المطعم التراثي
    https://goo.gl/maps/vmCR9iE5hwQCsJAn6


    وادي جو
    سد السلف
    https://maps.app.goo.gl/ySg8kXGttrHKork4A


    قلعة اعيرف
    https://maps.app.goo.gl/LY9PoT8UQ3vL2qgZ9


    قلعة القشلة
    https://maps.app.goo.gl/LjotgAvv74pENTR26


    مزرعة البرتقال و الفراولة ومحمية الطيور ( جنة الشمال )
    https://g.co/kgs/Hpkyu8

    مهرجان برتقالة حائل
    https://g.co/kgs/aF1yAX


    موقد حاتم
    https://g.co/kgs/3PQTUj


    قصر عياض و ما حوله
    https://maps.app.goo.gl/LY9PoT8UQ3vL2qgZ9


    قصر غياض و ديار تميم
    https://maps.app.goo.gl/hRLfZ1AVpQLPbN5S7

    منتزة المحكر
    https://maps.app.goo.gl/SQPvAGtfYLpn7VjR7


    صخرة الفيل
    تخييم
    https://maps.app.goo.gl/pASi95fcmh5F5Fpx5


    طريق الحج القديم (طريق المعظم)
    محطات القطار
    قصر المعظم
    https://g.co/kgs/5iBWPy


    قلعة تبوك
    عين السكر( عين النبي)
    https://g.co/kgs/WT9vxW


    مسجد الرسول
    https://g.co/kgs/QZkAyV


    المطعم الشعبي
    https://g.co/kgs/nQ3qKb


    السوق الشعبي
    https://g.co/kgs/NQvHgT


    زيت زيتون المزيد
    https://g.co/kgs/vRT41k


    بئر هداج في تيماء
    https://maps.app.goo.gl/7zJ2Z5dh9haQK5hk6

    قرية فيد
    https://maps.app.goo.gl/Uod7wtCPb6RvWFRU9


    متحف بريدة
    https://maps.app.goo.gl/b7UBxsrb2WoqxjMb9


    مدينة التمور
    https://maps.app.goo.gl/wBFAuzdNDhibTBGE6

    الدرعية التاريخية في الرياض
    https://maps.app.goo.gl/1WaobsusDWeJeYj69

    دحل هيت في الخرج
    https://maps.app.goo.gl/2oXFphjvkQ7qvBgq9



    ReplyDelete