رحلة بيروت "باريس الشرق"

  رحلتي إلى بيروت باريس الشرق

قليل من يسمع عن لبنان و لا يسمع عن مغارة جعيتا, صخرة الروشا, أو شارع الحمرا. ربما لأن السُيّاح يقصدون هذه الأماكن باستمرار و لأن مكاتب السياحة و المواقع تركز عليها. توجد في لبنان الكثير من الأماكن الجميلة و التي تستحق أن تكتشف من خلال أي شخص عنده شغف المعرفة. أزقة بيروت العتيقة, باصات السرفيس القديمة, وديان و جبال لبنان على طول الساحل,  و غيرها كثير.

 

في آب/ اغسطس قررت أن أبدأ رحلات منظمة إلى مناطق معروفة, تواصلت مع عدد من الأصدقاء فكنا أربع أشخاص, أُختيرالرفاق بعناية فائقة.
تم حجز التذكرة للرحلة في شهر سبتمبر, و تم الاستعداد على طريقة الباك باكرز ( الرحال)  backpackers, وهو نوع من السفر مختلف عن المألوف, السكن في هوستل (بيت الشباب) , التعرف على السكان المحليين, حمل حقيبة على الظهر لمسافات طويلة, التعرف على أكل وعادات البلد, و التنقل بالنقل العام, تكاليف أقل و متعة أكبر.  

في البداية, تم اختيار طيران الخليج فلديه رحلة مباشرة إلى لبنان, و مواعيد الوصول والإنصراف جيدة,  و هذا بالتالي يقلل ساعات الانتظار ويزيد الاستفادة من التواجد في البلد, أيضاً حرصنا على إختيار يوم الإنطلاق في وسط الأسبوع لتقليل تكاليف الرحلة, و مشاهدة حياة الناس حلال أيام الأسبوع و في نهايته.

دخلنا مطار بيروت في ظهر يوم الأربعاء, كان هادئاً, صغيراً, و نظيف. خرجنا من المطار مع صاحب التكسي و كان رجل كهل لطيف, كانت الاجواء ممطرة في ذلك اليوم, لكن مطر شهر أكتوبر - الشهر المثالي لزيارة لبنان - هو مطر خفيف لا يستمر طويلاً.

في طريق المطار تبدأ قصة لبنان مع السياسة ( البلد العربي الوحيد الذي لديه نظام ديمقراطي كامل منذ الاستقلال), كنا نعبر المناطق و نرى الصور تتبدل بشكل سريع, صور السياسين مع حفظ الالقاب بري, جعجع, الحريري الخ. و كنا قد عاهدنا أنفسنا الا نخوض في السياسة ابداً لكن صاحب التكسي كان أغلب حديثه عن السياسة و عن استتباب الأمن.

الانتقال من المطار الى الفندق عبر تطبيقات التنقل مثل كريم وفر علينا 40% من التكلفة, و متاعب الانتظار.

كانت زيارتنا تفقدية لكل ماهو مثير للاهتمام, هذا الأمر دفعنا الى التوجه الى منطقة تسمى " منطقة تقنية بيروت" وهي منطقة قريبة من وسط المدينة و تحتوي على شركات تقنية, تصورنا المنطقة أكبر لكن تبدو أنها متواضعة و جديدة. ذهبنا إلى شركة تسمى عرب نت و هي شركة تنظم فعاليات في الخليج, تكلمنا معهم عن الإقتصاد اللبناني و تشريعاته التجارية و الفرص فيه. و كانت منطقة العمل صغيرة لكن كخلية نحل. تقابلنا سريعا مع أكثر من شخصية و كان الود و التواصل سيد الموقف. شكرناهم وانصرفنا.

 

مشياً على الأقدام أكملنا المسير إلى السوليدير و أسواق بيروت العالمية, وهي قصة منطقة تحكي عن فترة مابعد الحرب الأهلية, و فترة التصالح العربي في بداية التسعينات, وبالطبع فترة إعادة الإعمار التي مولتها المملكة العربية السعودية,  المنطقة جميلة خصوصا في الفترة المسائية, قرننا أن نأكل في مطعم شعبي وكان الاختيار على مطعم بونعيم, المطعم شهي ككل مطاعم لبنان.

 

في اليوم التالي قررنا أن نذهب إلى الجامعة الأمريكية و التي تعد الأشهر في الشرق الأوسط, الأمن في الجامعة قد لا يسمح للدخول بدون بطاقات هوية ونحن لا نستطيع حمل الجواز في رحلتنا فتكون معرضة للسرقة, قررنا المجازفة و الدخول بشكل طبيعي و هذا ماحدث, لم يعترض طريقنا أحد, أحياناً تستطيع أن تتجاوز الحواجز إذا كنت مهذباُ و ذو هدف نبيل.

 

الجامعة ( تأسست في عام 1866) قديمة لكن لازالت محتفظة بجمال المباني و الإطلالات, أيضاً لازالت الأبرز في لبنان.

بعدها ذهبنا إلى مدينة جبيل بوسائل النقل العام و لأن الأمر يحتاج تعلم كيف نستخدم السرفيس, و ماهي المناطق التي يعبر بها, قررنا أن نخوض المجازفة. بعدها علمنا ان هناك منطقتين رئيسيتين لتجمع الباصات في بيروت  وهي منطقة الدورة, منطقة الكولا. سعر النقل داخل بيروت 1000 ليرة لبناني للشخص = 0.66 دولار.سعر النقل لمدينة جبيل 2000 ليرة لبناني للشخص = 1.3 دولار.

حرصنا على حمل الليرة بدل الدولار و لبس ملابس عادية لكي لا يبدو علينا مظهر السائح, و بالطبع لكي لا نتعرض لأي نوع من أنواع الإبتزاز, و مع كل هذا الحذر لا بد أن تصادفك بعض محاولات الاستغلال.

اكتشافنا للنقل العام  يعادل اكتشاف نيوتن للجاذبية,  وفر علينا مبالغ هائلة في التنقل و وفر لنا فرصة أن نحتك بحياة الناس العادية و أن نرى همومهم عن كثب, و بالطبع أن نتنقل بشكل سهل و مريح. غالبية السياح يدفعون 100$ لقاء يوم كامل مع تاكسي.

 

وصلنا مدينة الجبيل في الصباح لكي نعود قبل المساء, فنحن غرباء و لا نفضل العودة في وقت متأخر, مدينة الجبيل أقدم مدينة ما زالت مسكونة, و أول مدينة كتبت بالغة العربية كما يقول أهلها, أهلها شعب طيب و لطيف تسنى لنا التحدث معهم و التعرف عليهم, و على شاطئ البحر هناك تعرفنا على انطوان صاحب الطائرة الدرون و الذي كان مغرم بها كالطفل الصغير, سرد لنا بطولاته في المطارات و كيف إستطاع أن يحميها من المصادرة, أكرمنا في نهاية الحديث بتصوير فيديو رائع لنا لازلنا نحتفظ به,  أيضا إلتقينا الأخ سامر يونس معلم السباحة الذي سيقود رحلتنا في اليوم التالي .

 

في طريق عودتنا من مدينة جبيل توقفنا 30 د عند متحف مذابح الأرمن التي لازالت حية في ضمير العالم, رأينا وقرأنا كيف استقبل اللبنانيون الأرمن المهجرين بكل حفاوة, و الذين قطعو مئات الأميال من تركيا إلى لبنان. نكبة الأرمن من نكبات القرن العشرين التي لم يجف حبرها بعد.

فضلنا أن نأكل وجبة العشاء قبل المغادرة وكان الاختيار على مطعم سندويشات ملك الطاووق, الوجبة رخيصة و مشبعة و لذيذة.

في اليوم التالي زرنا مدرسة في أحد أحياء بيروت الفقيرة, بالطبع بعد مفاوضات مارثونية مع مديرة المدرسة و بعد إرسال كل ما يلزم من جوازات و غيرها,  تجربة المدرسة كانت تجربة جميلة عرفنا من خلالها بعض المعلومات عن التعليم في لبنان, و شاهدنا بعض الفصول, وفوجئنا بنسبة الأمية في لبنان و الذي يقارب 8% من عدد السكان, عرفنا أيضاً كيف يعاني الأهالي من تكاليف المدارس.

 

في نفس اليوم زرنا مكتبة المعرفة و حصلنا على بعض الكتب القيمة التي قد لا تراها خارج لبنان. أيضا تمت دعوتنا على غداء في مطعم مانويل وهو أحد أشهر المطاعم في طريق بيروت و يرتاده الكثير من السياح, الغريب أن المطعم ضخم و كبير إلا أن أسعاره جداً معقولة. بعدها  قررنا استكشاف شاطىء الزيتونة و صخرة الروشة بطريقتنا الخاصة, ركبنا الدراجات الهوائية و انطلقنا إلى الكورنيش .

في لبنان تشتهر المسرحيات و لكي تعيش حياة الأهالي لابد أن تحضر مسرحية مثل مسرحية حلوة مرة, المسرحية كانت محاكاة عن خوف الناس من التكلم والتحدث وبالتالي الخوف من التغيير. كان أغلب الحضور كما توقعنا من لبنان وهذا ما كنا نستهدف.

إذا كنت في لبنان فلابد أن تعبرعلى  محل بقلاوة فهو من أشهر أنواع الحلوى هناك. لم نوفر الفرصة و كانت جزء طبيعي من الرحلة وهو تذوق الأكل الشعبي.

الذهاب الى وادي قاديشا الطبيعي و المسجل في الينسكو عبر مجموعة سياحية,  تجربة من أروع التجارب على الإطلاق, كنا مع 28 جنسية كلهم لديهم الشغف لاكتشاف الطبيعة,  المنطقة خلابة, يروى أن العثمانيين مرو من هنا و أفنو كامل أهالي المنطقة و التي كانت تعتنق المسيحية. الذكريات و القصص و الكنائس تحيط بالمكان من كل جانب. تعرفنا على سمير من البارغواي و الذي له أصول لبنانية و يعيش مع جدته في بيروت, أيضاً تعرفنا على صاحبة الدراسات الثقافية و المهتمة بالدول العربية والإسلامية ماريكو من أمريكا, بالاضافة إلى منظم الرحلة ادورد من لبنان.

كان مكثنا في الهوستل عامل مثير في الرحلة لم نكن نحسب له بال, الهوستل عبارة عن مكان يلم مجموعة من الرحالة و الذي يمكن بسهولة التعرف عليهم, يحتوي على نشاطات داخلية و خارجية, كان معنا في الغرفة دكتور مهذب أسمه اوغوستو من تشيلي. مع كل هذا لم يكن الوقت يتسع لنا لأي نشاط داخل الهوستل, فقد كنا ننام الساعة 12:00 و نستيقظ قبل الشروق بدقائق.

ملاحظات عامة:

1. المناطق السياحية غالبا  تسكنها غالبية مسيحية , التحية التي يستخدمونها أهلاً بدل تحية السلام.
2. كلمة مدام تستخدم للسيدة الكبيرة في مناطق المسيحيين, حاجة في مناطق المسلمين.
3. في المناطق المرموقة يكون السلام بين الجنسين شائع.
4. السكان في المناطق السياحية راقية و مناطقها آمنة.
5. لا ينبغي معرفة اسم بلدك لأن هناك استغلال أحياناً, مع العلم ان أول سؤال قد تٌسأل عنه هو من أين أنت.
6. النقل العام و الأكل في بيروت من المطاعم الشعبية رخيص و لذيذ.
7. القروبات السياحية فيها نسبة كبيرة من الإحتراف.
8. وجود نسبة كبيرة من الأجانب في لبنان كسياح .
9. شريحة البيانات رخيصة.

من الأمور التي تحفزنا للعودة إلى بيروت  هو لطافة شعب لبنان, فهو ودود و طيب, يتعامل مع السُيّاح بشكل حضاري, ربما تنوع الطوائف كان سبب هذا الأمر, فشعب لبنان يتوزع على 18 طائفة في 8 محافظات.

نقاط التقييم

جمال الطبيعة - 10

البنية التحتية السياحية - 8

لطافة الناس - 10

اسعار عادلة للسياح - 10

منطقة جذب للسياح - 10

الثقافة و التاريخ - 9

الأكل - 10

المجموع = 95.7% = ممتاز

عيسى السلطان

حاصل على شهادة من هيئة السياحة في الأحساء كمرشد سياحي

تنظيم أكثر من 30 رحلة حول العالم

عضو في نادي هجر للسياحة و السفر

11-11-2018